ألعاب الفيديو.. تسلية تحولت إلى إدمان خطر!
ألعاب الفيديو.. تسلية تحولت إلى إدمان خطر!
من كان يتوقع في يوم من الأيام أن تصبح ألعاب الفيديو التي مارسناها طويلاً في طفولتنا مشكلة حقيقية تجتاح عالمنا اليوم، وتنتج العديد من المصابين باختلال عقلي يحتاج إلى إعادة تأهيل سريعة؟!
وكيف تلصق صفة الإدمان بلعبة مرئية لا يمكنها أن تمس أعضاءنا الداخلية أو عقولنا بمادة مسببة للإدمان كما هو حال المخدرات وغيرها؟!
لا بد أن في الأمر كلاماً يطول!
نعم عزيزي القارئ، في الأمر كلام يطول، ويعود في تاريخه إلى فترات بعيدة، لكن انتشاره الواسع في أيامنا هذه يعد سيئة من سيئات التكنولوجيا التي تفوقت في تقديم الفوائد مثل تفوقها نشر المضار.
لا بد وأنك تتوق لمعرفة السبب، ولكنني قبل البدء بأي شيء سأعرض عليك المثال التالي لتأخذ مفهوماً تنطلق منه كفكرة أولية:
إذا قمنا (على سبيل التجربة) بوضع جسم (عتلة) تزود مجموعة من الفئران بالطعام عن طريق الضغط على مفتاح معين، وكان هذا الطعام من النوع الذي تفضله الفئران وتحبه، ثم جعلنا العتلة تزودهم بالطعام في كل مرة يضغطون فيها على ذلك المفتاح، فإنهم سيقومون بضغطه عند الشعور بالجوع فقط، تماماً كما هو حال الثلاجة التي يقصدها الأشخاص (الطبيعيون) فقط عند الشعور بالجوع..
ولكن إذا غيرنا طريقة إجرائنا لهذه التجربة وجعلنا الطعام يصل إلى الفئران في أوقات متفرقة غير متوقعة، فإنهم سيستمرون بضغط المفتاح المخصص حتى الشعور بالإرهاق الشديد طلباً للفوز بكمية من الطعام، فنحن بتقديمنا الطعام في أوقات لا يمكن التنبؤ بها، كونا لديهم فكرة وجوب استمرار الضغط حتى الحصول على الطعام.. وهذا ما يحدث تماماً عند مدمني الألعاب!
فلا يمكّنك اللعب بنفس الأسلوب كل مرة أن تنال حظك من الفوز أو التقدم على أقرانك، ولهذا ستجلس الساعات الطوال وأنت تحاول الوصول إلى مستوى معين، وعند بلوغه يبرز لك هدف آخر وهكذا..
وبالطبع لا يكون هذا الجلوس المتواصل لممارسة الألعاب من أجل لا شيء، فكل إنجاز يصل إليه اللاعب سيكون مشبعاً بكمية عالية من الدوبامين التي ستشعره بالنشوة وتعطيه الحماس للمتابعة، فقد أسفرت نتائج فحص أدمغة مدمني الألعاب عن تضخم في مركز المكافأة (Reward System) لتعرضه إلى كميات عالية تفوق الحد من هرمون الدوبامين الذي يرتبط بمعظم حالات الإدمان كما نعلم.
أعراض الإدمان
يشيع بين العوام المفهوم الذي يقتضي بأن الإدمان مرتبط بمادة تسببه، لكن الأطباء يؤكدون أن هناك الكثير من الأفعال تسبب الإدمان دون التدخل الفيزيائي في جسد المدمن عكس المتوقع، وهذا ما يحدث عند مدمني الألعاب..
سيكون تحفيز مركز المكافأة نتيجة طبيعية لأي إنجاز نحققه في حياتنا، فهذه النشوة التي تصيبنا تعني أن الدماغ يقول لنا “ركز على هذه اللحظة المميزة، فهي إنجاز يهمك في المستقبل”، وانطلاقاً من هذا المبدأ سيتكون الإدمان، لارتباط شعور المتعة الكبيرة بهذه اللعبة التي يمارسها، مما يجعله مرتبطاً بها بشكل جنوني..
ففي معظم الحالات يتراجع التحصيل العلمي لدى المدمن، ويتخلى عن نشاطاته الاجتماعية، الرياضية، وغير ذلك مما كان يقوم به، فتضعف لديه مهارات التواصل، يعاني التوتر عند مقابلة الناس، فنجده في عمر الحادية والعشرين بذكاء اجتماعي لطفل في العاشرة!
حيث أصبح جلّ همه المنافسة والتغلب على الأقران في عالمه الافتراضي، وبالتأكيد سيكون هذا سبباً لفشله على جميع الأصعدة..
والأهم من ذلك أنك إذا أجبرته على ترك إدمانه قد يقوم بأفعال عدوانية، أو في حال عدم استطاعته ستصيبه الكآبة والفراغ وكأنه فقد شيئاً عزيزاً عليه، كما سيكون معظم حديثه وتفكيره يدور حول هذه اللعبة خارج أوقات ممارستها، وهذه هي أعراض الإدمان المؤكدة، والتي تتشابه في معظمها مع حالات الإدمان لدى الكحوليين، ومتعاطي المخدرات، مما أكد أن الإدمان لا يرتبط بالضرورة بمادة معينة، ويمكن أن تكون الألعاب من الطرق السريعة جداً إليه.
تحرياً عن السبب..
إذا وقفنا متسائلين، لماذا يسلك البعض مثل هذا الطريق؟!
وهل من المعقول أنهم وجدوا غايتهم المنشودة من الحياة في شاشة تتحرك عليها شخصيات مرسومة؟!
في الحقيقة، تكمن أحد الأسباب في رغبة الشخص بالهروب من الواقع الذي لا يروقه، فيرى في الألعاب مخرجاً سريعاً، حيث يمكنه الواقع الافتراضي أن يعطي انطباعاً مختلفاً عن الانطباع الذي يمكن أن نأخذه عنه حين مقابلته في وجهاً لوجه، وبهذا يكون الشخص الذي يريد أن يكونه في عالم مليء بالحماس والتشويق والمهارات، مما يوثق ارتباطه باللعبة شيئاً فشيئاً حتى يصل مرحلة الإدمان.
السبب الآخر هو أن معظم الألعاب تتطلب مهارات فكرية أو حركية عديدة، وهي ناحية إيجابية لها، إذ تتطور هذه المهارات عند ممارستها، وهذا ما يعتبره الدماغ إنجازاً فريداً يستحق أن يجازى بكمية من الدوبامين، مما يجعل أحدنا يسير في طريق الإدمان أيضاً.
وعلى العموم، ترتبط جميع الأسباب بمركز المكافأة بشكل أو بآخر، وهو ما قد يشكل خطراً محتملاً على حياة الشخص، إذ بإمكان هذا المركز أن يجعلك واحداً من أهم العلماء، الرياضيين، المثقفين البارزين، وغير ذلك، كما يمكنه بنفس الوقت أن يجعلك أسيراً للعبة لا يمكنها أن تحقق نفعاً في الحياة، أو مخدر يدمر جسدك.
حالات الوفاة أثناء ممارسة الألعاب!
إذا كنت ممن يهتمون بأمر الدوبامين، لا بد وأنك سمعت بالتجربة التي أجريت على فأر تم وصل جهاز كهربائي مزود بقاطعة إلى مركز المكافأة في دماغه، وتم تلقين هذا الفأر طريقة إغلاق دارة القاطعة مما يجعل الكهرباء تحفز مركز المكافأة لديه فيعتريه شعور بالنشوة، وتكون النتيجة أنه سيستمر بهذا العمل حتى يصل إلى مرحلة الموت، حيث ينسى طعامه وشرابه، ولا يعود يبرح مكانه طالباً النشوة حتى نفاذ قواه!
هذا ما يحصل تماماً مع مدمني الألعاب الذين يموتون في مقاهي الانترنت!
وإذا تصفحت أخبار الألعاب المختلفة كمثل (warcraft) أمكنك أن تجد الكثير من الحالات التي تتحدث عن ذلك..
أحد هذه الحالات حدثت في شهر كانون الماضي (2015) عندما واصل رجل تاويواني اللعب في مقهى الانترنت لمدة ثلاثة أيام وُجد بعدها ميتاً على كرسيه دون حراك!
والأهم من ذلك أن جميع من حوله لم يعره أي اهتمام ظناً منهم أنه يأخذ عفوة لا أكثر، فهم أيضاً مستغرقون في إدمانهم لا يشعرون بما يحدث في المحيط!
هل من علاج ممكن؟
بما أننا اعتبرنا مدمن الألعاب في رتبة مدمن المخدرات، فهذا يحتم وجوب التعامل الجدي مع القضية وضرورة البحث عن حل سريع، لكن مع وجود اختلاف هنا وهو أن أجهزة الحاسوب –على عكس المخدرات- تستخدم كل يوم في أغلب مظاهر الحياة، ولذلك فإن العلاج هنا لا يعني الغياب الكامل عنها، وإنما يكون ذلك وفق خطة مدروسة، وقد يكون للعقاقير المختلفة دور فيها.
فضلاً عن العقاقير، لدينا ما هو أهم: العلاج المعرفي السلوكي، وهو يتناول عقل المدمن الذي هو أساس العلة ليغير المفاهيم التي تكونت فيه وجعلته يقود صاحبه إلى طريق جنونية، وقد تكوّن هذا الاتجاه في العلاج انطلاقاً من تأكيد الأطباء المعالجين على الحقيقة المقتضية بأن الإدمان في هذه الحالة يكون نتيجة لأفكار وتخيلات تسود عقل المريض وتتثبت فيه مع الزمن..
تشمل تقنيات هذه المعالجة التركيز على وضع أهداف وتحقيقها، وتعلم كيفية التغلب على التفكير الذي يسمح للحالة الإدمانية أن تسود.
كما يوجد العديد من الطرق الأخرى تشمل أخذ المريض إلى بيئة طبيعية خالية من المشتتات العديدة التي تعج بها حياة المدينة الصاخبة، فكم كان هدوء الريف وجمال طبيعته مصدراً لهدوء البال وراحة النفس!
ختاماً.. تشير الإحصاءات المختلفة إلى وجود نسبة لا بأس بها من المدمنين في كل مجموعة من اللاعبين، وهو ما قد يشكل خطراً على حياة المدمن طفلاً كان أو بالغاً..
أرجو أن تصل رسالتي إلى أكبر عدد من القراء، وأتمنى أن أُوفق في نشر التوعية حول هذا الخطر الجسيم الذي يعد واحداً من الأعباء التي أثقلت بها التكنولوجيا المجتمع، إذ مع كل خدماتها التي سهلت حياتنا، إلا أنها على الجانب الآخر قد شوهت حياة الكثيرين وجردتهم من شخصيتهم الإنسانية الاجتماعية إلى شخصية أخرى لا علاقة لها بالمجتمع الانساني.
ألعاب الفيديو.. تسلية تحولت إلى إدمان خطر!
Reviewed by Unknown
on
2:26 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: